حوّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتباه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرّةً أخرى نحو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبر طرحه اقتراحاً يتعلّق بالأراضي، ينطوي على مخاطر سياسية وأمنية كبيرة بالنسبة إلى كييف.
إلى جانب مطالب أخرى، إقترح بوتين أن تسلّم أوكرانيا بقية إقليم دونباس إلى موسكو، وفي المقابل ستتوقف روسيا عن القتال على بقية الجبهات، بحسب ما كشف ترامب للقادة الأوروبيِّين في مكالمة بعد لقائه ببوتين في ألاسكا. وأيّد ترامب فكرة تنازل أوكرانيا عن الأراضي لتجميد الحرب.
وفي اجتماع البيت الأبيض، سيكون على زيلينسكي التعامل مع الاقتراح الروسي، ومع احتمال أن يعود ترامب إلى اعتباره عقبة أمام السلام. وقد أشار ترامب إلى أنّه قد يضغط على زيلينسكي للتنازل عن الأراضي، على رغم من أنّ الرئيس الأوكراني رفض فكرة التخلّي عن الأراضي بشكل قاطع.
وكتب ترامب: «الرئيس زيلينسكي في أوكرانيا يمكنه أن ينهي الحرب مع روسيا فوراً تقريباً، إذا أراد ذلك، أو يمكنه الاستمرار في القتال».
إنّ اقتراح بوتين بشأن الأراضي أعاد فتح احتمال حدوث توتّر بين واشنطن وكييف، وهو أمر ستُرحّب به موسكو، بعدما احتفلت سابقاً بالخلاف الكبير الذي وقع في المكتب البيضاوي بين القادة الأميركيِّين والأوكرانيِّين في وقت سابق من هذا العام.
وأوضح ألكسندر غابوييف، مدير مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا: «إنّها مناورة ذكية جداً من بوتين»، لأنّ الاقتراح قد يكون بمثابة «حبّة سُم» تهدف إلى إضعاف أوكرانيا داخلياً، أو دفع ترامب إلى الابتعاد عن زيلينسكي إذا رفض الأخير.
يحظّر الدستور الأوكراني التنازل عن الأراضي إلّا من خلال استفتاء وطني. وأظهر استطلاع حديث أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، أنّ 78% من الأوكرانيِّين يعارضون تسليم الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا إلى روسيا.
عادةً ما تعتبر الكرملين أنّ دونباس يتكوّن من منطقتَي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. وقد استولت موسكو على معظم لوغانسك، لكنّها لم تتمكن، على رغم من محاولاتها منذ أكثر من عقد، من السيطرة الكاملة على منطقة دونيتسك. ولا تزال أوكرانيا تسيطر على أكثر من 2,500 ميل مربّع هناك.
تتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى أوكرانيا. فقد خدمت مدينتا كراماتورسك وسلوفيانسك كمركز عسكري أوكراني منذ أن شنّت روسيا غزواً هجيناً عام 2014، وهما من أكثر أجزاء الجبهة تحصيناً. وإذا تراجعت القوات الأوكرانية، فإنّها ستفقد تلك الدفاعات. كما لا يزال ما لا يقلّ عن 200 ألف أوكراني يعيشون على تلك الأراضي.
وأوضح ديفيد شيمر، الذي قاد سياسة أوكرانيا في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بايدن: «بعض أقوى المواقع الدفاعية لأوكرانيا موجودة في دونيتسك، والتخلّي عن تلك الدفاعات سيمكّن روسيا من إعادة الهجوم مستقبلاً من موقع أكثر ملاءمة بكثير»، فالتخلّي عن الإقليم سيكون «تنازلاً هائلاً».
وفي المحادثات مع المسؤولين الأميركيِّين هذا العام، كان المفاوضون الروس يطالبون بالسيطرة الكاملة على جميع المناطق الـ4 التي أعلن الكرملين ضمّها في 2022، وهي: لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، على رغم من أنّ كييف لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة منها. وأضاف غابوييف، أنّ «هذه تكتيكات تفاوضية ذكية»، مشيراً إلى أنّ ترامب يرى أنّ اقتراح بوتين المتعلق بمنطقتَين فقط من تلك المناطق بمثابة تنازل، على رغم من أنّه لا يزال «غير واقعي إطلاقاً».
وأعلن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، لشبكة CNN، أنّ بوتين قدّم بعض التنازلات الإقليمية في المحادثات مع المسؤولين الأميركيِّين، لكنّه أضاف أنّ «هناك نقاشاً مهمّاً يجب أن يُجرى بشأن دونيتسك» خلال اجتماع ترامب مع زيلينسكي والمسؤولين الأوروبيِّين.
وأضاف ويتكوف: «نأمل أن نتمكن من تجاوز العقبات واتخاذ بعض القرارات في ذلك الوقت والمكان». وأوضح أنّ ترامب لا يمكنه الموافقة على أي تبادل أراضٍ نيابة عن أوكرانيا، وأنّ الأمر متروك للأوكرانيِّين لتحديد ما يمكنهم «العيش معه».
وأضاف ويتكوف أيضاً، أنّ بوتين وافق على تقديم الولايات المتحدة ضمانة أمنية لكييف، بشرط ألّا تشمل عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولا يزال من غير الواضح ما هي الأراضي التي ستقدّمها روسيا مقابل دونباس. فقد يقتصر الأمر على الأراضي التي تحتلها موسكو في منطقتَي خاركيف وسومي، اللتَين لم يعلن الكرملين ضمّهما. وتسيطر روسيا على حوالي 660 ميلاً مربّعاً فقط من الأراضي الأوكرانية هناك.
ولم تتوقف هجمات روسيا بالتوازي مع محادثات السلام. إذ أسفر هجوم بطائرة مسيّرة روسية على مدينة خاركيف الشرقية خلال الليل، عن مقتل 7 أشخاص، بينهم طفلان. وقُتل 3 أشخاص آخرون في هجوم منفصل على مدينة زابوريجيا. كما توجد مؤشرات إلى أنّ القوات الروسية تسعى إلى توسيع الأراضي التي تسيطر عليها في زابوريجيا وخيرسون مع استمرار المحادثات، بحسب ما أفاد به مسؤولون وجنود أوكرانيّون على الجبهة.
وتشير وكالات الاستخبارات الأوكرانية إلى أنّه حتى الآن لا يبدو أنّ هناك أي انحراف عن الخطط القتالية الروسية بعد القمة، وفقاً لمسؤول عسكري أوكراني رفيع.
بحلول نهاية الصيف، يعتقد المسؤولون الأوكرانيّون أنّ القوات الروسية تأمل في تحقيق تقدّم كبير في منطقة دونيتسك، بما في ذلك فرض حصار كامل على كراماتورسك وسلوفيانسك. وقد أثار تقدّم روسي مفاجئ الأسبوع الماضي جنوب غرب كراماتورسك مخاوف من انهيار الخطوط الدفاعية الأوكرانية، قبل إيقافه.
وأقرّ أحد جنود الحرس الوطني الأوكراني من الفيلق الأول «آزوف» المتمركز قرب منطقة التقدّم الروسي، أنّ القوات بدت غير مهتمة إلى حدٍّ كبير بأخبار القمة: «بغضّ النظر عمّا ناقشه الرؤساء، فإنّ التقدّم الروسي البطيء لا يزال مستمراً». وأوضح أنّه في اليومَين التاليَين للقمة، بدأت القوات الروسية تهاجم بشكل متكرّر هناك، على رغم من تكبّدها خسائر فادحة بلغت ما بين 60 إلى 70 جندياً روسياً يومياً.